قررنا اليوم تكسِير روتين حمولة و نسق طرح الأفكار ، و تعويضِها بوصفٍ
لجو الفيراج الذي إشتقنا إليه جميعاً ، فسيحمِلُكم هذا النص في طائِرةٍ
ثقافية تطيرُ بكم عقلاً نحو الملعب البلدِي ، و الحب الأبدي الذي يجمعنا
بِمُدرجاتِه، جوِّه و وحدتِه ، رغم فقرِهِ و إفتِقارِه لِأبسط شروط
الإِنسانية التي نُغطيها بأجواءٍ لاتينية ، قد تفقِدُكَ جنسيتك المغربية
لمدة الساعة و النِصف ٠
قبل الصعود للتشجيع لنا طُقوسنا الأزلية قبل بداية المباراة ، غِناءٌ و حماسٌ تحت المدرج في أراضي رملية و نسبةُ تواجد الماءِ
فيه أقل من تلك التي في الصحراء ، رفعٌ للطبول و دقاتٌها في قلبِنا تقول
ما لا يُقال، ابتسامةٌ لا يزرعها فينا لامكانٌ آخر و لا مال ، "بالروح
بالدم نفديك يا عُمري "، أو " جميع الحومات راهم خواو " ، لا يهِمُ عنوان
المقطع بقدرِ ماتُهمُ مضامنيه المتجهة بشكل كاملٍ لحب الكاك مما يزيدُ من
شراسة الغناءِ ٠
بعد عملياتِ
التسخين أسفل الفيراج ، يصعَدُ الكل بشكل جماعي تتقدمه الفِرقة الموسيقية ،
نصعدُ لعِناقِ أقوى شمسٍ نظن في افريقيا ، حتى أصبح يطلق على الشمس
بالفرنسية في مدينة القنيطرة بِـــ " الپيلوز " ، و ذلك لا يُوقِفُ قدرتنا
على التشجيع بل الحل هو مظاهِر رش قنينات الماء ، كأن البعض يشجع الآخر من
أجل عدم التوقف عن الهُتاف ٠
قبل صعود الكابو، تنطلق مقدمات الكاك
على مولانا و جيبوها يا الولاد، على أن تظل الأذن تنتظِرُ نداء الكابو من
أجل الشرعِ و الصرخِ بأولِ أُغنيةٍ تُفجرُ المدرج، لدرجةِ أنها تصطدِمُ
بالمدرجات المغطاة فنسمعُ صدى صوتنا يعودُ إلينا كأنه حَنينٌ للعودةِ إلى
حناجِره٠
و في المشاهِد داخل المدرج ، طفلٌ مجنون وسط لابانداَ و في
جانبه مسِنٌ لا تُهيبه قوة و طاقة الشباب حوله ، فردٌ يعانق فرداً آخر في
عمليةِ صِناعةِ عائلةٍ تتجدد كل لقاء حتى أصبح اللقاء فرصة للإلتقاء ، و
تحولت صدفة اليدِ فوق الكتف إلى أُخوةٍ دائمة ، هو مدرج مجنون يجمع
المجانين ، المثقفين ، الكبار و الصغار ، هو مكانٌ للإفتخار بالثقافة
الشعبية لجهة الغرب و ذلك بترديد مقاطع فن "الهيت" ، و هو مزج بين ما هو
لاتيني و مغربي في عمق ثوراته القديم ، و هي عمليات نط و انتحار فوق رؤوسِ
الجماهير من طرف من زادهم عشقها جنوناً ، إنه مستشفى عقلي و مستشفى لكل
مريض من هموم الدنيا ، فلا فرق بين من شاب و بين الشباب ، و هو أيضاً منصةٌ
للعلم ، الحوار و إيصال الأفكار ، فلا شيء في القنيطرة كالپيلوز ٠
رحلنا بكم بعض الشيء نحو الپيلوز خلال عملية الحجر الصحي هذه ، لكن لن
يفوتنا أن نترحم على من كان معنا فيه بالأمس و رحل عند رب الكون ، و لن
ننسى كل مسجونٍ ، مغترِبٍ و من أبعدته ظروف العمل ... تحية من القلب لكم
جميعاً و لجميع أبناء حلالة الأوفياء